حبر يرسم حروف من روح الواقع فيخترق بها العقل والقلب من دون قيود أو شروط فأٌقول وأقول

الاثنين، 12 سبتمبر 2011

"قهوتي"

جالسة على طاولتي المفضلة كالعادة أرتشف قهوتي الحلوة , و تتناثر حولي أوراقي البيضاء و أقلامي و حيدة مع خيالي و تخيلاتي. منشغلة برسم مشاعري على اول السطر و تخطيط حكاياتي على أوراقي بكل تركيز و وقار, وبينما يتراقص ناظري بين خيال وأخر , لتحديد ملامح الكلمات التي سوف انقشها على قماشتي البيضاء, سطع نورا" من بعيد! للوهلة الأولى ظننت أن ما حصل هو انعكاس الشمس على احدى مرايا المقهى, فبينما انا اشيح بناظري عنها  أطل "هو" كملكا" أو أميرا" قد خرج من احدى الروايات الأسطورية .
دخل بكل شموخ و بخطوات كبيرة و ثابتة في وقت واحد, مفتول العضلات  و منحوت كالتماثيل اليونانية , طويل القامة طوله فيه هيبة و رجولة . يضع نظارات خفيفة لولا التدقيق لن تراها أو تلمحها فحِدة نظراته تخطفك و سواد الليل البارز بين شعره و حاجبيه, لمعة حزن تخترق هذه النظرات الحادة و القوية .
جلس على الطاولة التي بجانبي مباشرة" ,وضع حقيبته الجلدية جانبا" على الطاولة, رافعا" عنه معطفه الربيعي و وضعه على الكرسي الأخر للطاولة بكل أناقة و انساب على كرسيه بكل لباقة , وأشار للنادل بيده كأنه ملكا" بين حاشيته و طلب ما طلب . ذهب النادل , فتناول حقيبته وأخرج منها حزمة من الأوراق البيضاء, و بعضا" من الأقلام . دقائق معدودة عاد النادل و معه طلب السيد , وضع فنجان القهوة وانصرف . كل هذا و أنا مازلت مسمرة بالنظر اليه و نسيت كل ادواتي حتى تجاهلت افكاري , و هو حتى الان لم يرمقني بنظرة يتيمة أيا" كان نوعها.
تناول قلمه,رتب أوراقه, و نظم جلسته و تناول فنجان القهوة بأصابعه بأسلوب خاص و عام , فيه من الشفافية و اللباقة الكثير, و بدء كتابته, وأنا استمريت على حالي لا اتنفس و لم يرف لي جفن و ولو حتى نصف رفة ! دقائق أخرى و تقرب النادل من طاولتي يسالني ان كنت أريد ان اطلب شيء أخر؟ كرر السؤال مرات عديدة حتى ايقظني من لحظة الصوة هذه . نظرت اليه نظرة شعرت من بعدها انه سيضع لي السم في طلبي! سألته بوقاحة عن طلب السيد فقال لي "قهوة حلوة" فابتسمت و طلبت منه ان يأتني بنفس الطلب.
عاودت الغرق في اوراقي , واستمريت في استراق النظرات منه بين الفينة و الفينة , و كيفية ترشفه لقهوته و اسلوبه الرفيع و رشفاته الصامتة و الحنونة التي تقبل حافة الفنجان بكل عشق و شهوة مستمرة منها له...أه! وددت لو كنت مكان الفنجاة و غرقت بين شفتيه بدلا"من أغرق بين الأوراق...في حين أني متمتعة بالمشهد الذي امامي . حدثا" عاد و ايقظني من غفلتي , فقد وقع القلم من يديه لاأعرف كيف!  و تدحرج بلكل بساطة نحو طاولتي . حينها , خطرت في بالي فكرة بأن أبارح مكاني وأعطيه القلم فتكون حجة اكلمه بسببها . لكنه سارع بالترجل من مكانه و تقدم نحوي بخطوات رشيقة , فتسارعت دقات قلبي كلما همّ بالقرب مني, حتى شعرت بأن انفاسي تتسارع مع دقاته ,فنزل بكل بساطة و تناول القلم  و تقرب مني حتى شعرت أن النفس انعدم و القلب توقف , و همس في أذني : " كفاكي تحديقا" ألا يحق لي بالقليل!" فتقرب مني , وصار وجهه شفه ملصق بوجه يباعد بيننا فراغ صغير كافي ليسمح للهواء بالمرور! فتبين أنه أوقح مني  , فبادلني التحديدق بكل جرأة , واضعا" يده على يدي بلا خجل , و لكنها كانت ممتعة شعرت بحرارة غريبة و قوية..




و فجأة!!مع شدة الحرارة على يدي تبين لي أن  فنجان قهوتي  الساخن وقع على يدي و تبللت أوراقي و ضاعت الكلمات و الحروف التي استغرقت وقتا" فيها , و نظرت حولي فتبين أنه ما من أحد غيري في المقهى ,فتعالت ضحكاتي , فتوجه النادل مسرعا" يسألني هل من خطب ما فضحكت ضحكت مجنونة اخرى ! نظر بتعجب ! و طلبت منه تنظيف الطاولة و احضار لي فنجان أخر من القهوة لأني سوف اعيد الكتابة من جديد ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق