حبر يرسم حروف من روح الواقع فيخترق بها العقل والقلب من دون قيود أو شروط فأٌقول وأقول

السبت، 2 مايو 2015

مزيجاً كتبته باسمة من أجل "باسم"...حتى نلتقي





باسم صبري "موسوعة صغيرة"، لم يتيح لها القدر أن تكبر لتفيض بأفكارها وابداعها ودعمها على من حولها. سنة على فراقه الإفتراضي، فمن يعرفه مازال يعتبر أن فراقه مجرد مزحة من مزحاته التي لطالما إعتبرها محاولات فاشلة مع أنه عكس ما يقول كليا. لن أرثيه لأنه حتى هذه اللحظة بالنسبة لي هو موجود لكن الحياة شغلته معها كما هو دائما، أنتظر رده على رسائلي ومكالمته الهاتفية المتأخرة كالعادة.
تخونني الكلمات لأكتب عنه من جديد، فلم يكن لي إلا أن أتذكر هديتي الأولى في ذكرى ميلاده التاسع والعشرين.

جزء من هديتي له(...مناسبة الحديث مناسبة كغير المناسبات، إختصارا لكل المقدمات أنه "يوم ميلاده"، هذا الكائن البشري المميز الذي لم يحالفني الحظ أن أقابله في الحقيقة لكنه حالفني في أن أصادفه معنويا" في العالم الإفتراضي لمن حولي ولكنه حقيقة بالنسبة لي بمعايير ومقاييس خاصة .
هذا هو باسمٌ بوجهه، محترم بلا منازع، قليلا ما يتأرجح ما بين الثقة بالنفس والغرور الخجول بطريقة أو بأخرى من غير قصد، يبحث عن الثناء والدعم بطريقة مبطنة، متعطشا  للمعرفة وإن غضب فشعاره "سأقتله، سأقتله، سأقتله! "ولديه من السخرية ما يكفيه وأخيرا هو الفارس المجهول المعلوم!  كنزه "كاريزما" خاصة به حتى وإن كانت من خلف الشاشة ومن خلال الصفحات بالإضافة لكونه مثل واضح وصريح لأغنية "كل البنات بتحبك"  الجنس اللطيف يحويه من غير ملل رغم خجله، قد تكون الحقيقة مختلفة لكن هذا ما يتراءى لي، وكما نقول في لبنان "بيطلعله!" .
انه هو"الانسان"، "القارىء"، "المفكر"، "الكاتب"  أو حتى "المثقف" ببساطة هو "هؤلاء" في نفس الوقت. هو يكتب ليفكر، يبحث ليعرف، وعندما يعرف يتابع الطريق في التعريف. مواضيعه زبدة الحدث في الأن والأوان بسيطة لكن غنية ومهمة لكن طويلة أحيانا "يا ويلي" لكن تستحق القراءة وإن كنت ممن يملون بسرعة فهذا الكلام لا يطبق في حالته. يهتم بالشأن العام والخاص، رغم إنتمائه الا أنه كثيرا ما يزيل عنه هذه الصفة ليصير إنسان فقط  ليتخطى الحدود. فيصبح عينا ترصد الاحداث أينما كانت وكيفما صارت، فينقلها ويحللها ببساطة بعيدا عن التكلف، و لطالما بحث عن الأجوبة، وإن إستصعب عليك شيء فقد تجد الجواب بحوزته...(
 بعد ثلاث سنوات عرفته فيهم أكثر بكثير وتقربت منه، أعتبر كل ما سبق هو مجرد ملاحظات بسيطة عن شخصية استثنائية عظيمة وفريدة من نوعها، قدر لها العمر القصير لأنها اكبر من أن تبقى في هذا العالم الصغير الفاسد والمريض، لتخلد افكارها وطاقتها الايجابية في روح كل شخص عرفه لأنه كان يشعر أي شخص أنه إستثنائي ومميز.

برحيله عادة بعد زمن طويل للموت في حياتي قيمة او معنى، صديق عرفته من العالم الإفتراضي في أولى أيام الثورة المصرية، ليصبح حقيقي رغم كل المسافات. مايقارب الثلاث سنوات والقليل من الشهور فيها من الصداقة والاحترام والاختلاف الكثير. كان رجلاً رائعاً فيه من الذكاء والصدق والتميّز والبراءة صفات أخرى خلق ليتمتع بها وحده، هذا ليس كلامي وحدي إنما هو كلام كل من عرفه وتعامل معه. كنت أستمتع بنقاشاتنا السياسية، حين يكتب مقالة معينة وقبل نشرها يأخذ رأي بالرغم من إني أصغر سناً وقد تكون خبرتي أقل، الا أنه كان على ثقة بنقدي ورأي. كان يشجعني على الكتابة بلحظات كسلي وكان دعمه يكفيني مراراً لأكتب، ولن أنسى كلمته الدائمة  "أنتي كاتبة رائعة". لدى زيارتي الأولى لمصر كنت أحاول أن أرتب يوما حتى نلتقي أخيرا، كل مرة كان اللقاء يتعثر، والوقت يخذلنا ونأجله. عند عودتي من الاسكندرية وبينما أفتح "تويتر" وإذا بالأخبار عن حادث وفاته يملئ  "التايملاين" فقد كان من النخبة إلا أنه كان رمزاً للتواضع، حاولت أن أتماسك محاولة تكذيب ما أقرأ. بدأت أبكي وأصدقائي من حولي يحاولون فهم ما سبب البكاء المفاجئ. صدمتي حينها مع خوفي وجبني لم أتجرأ على أن أتصل به لتكذيب كل ما قرأت. حاولت أن أبحث عن مصادر أخرى للخبر، حتى أخبرتني صديقتي بالخبر حينها فقط تأكدت، فحادثة سقوطه من شرفة منزلهم لم تكن منطقية وكان هناك علامات تعجب دفن بعدها الموضوع.
هنا عاد خوف الموت ليستيقظ بي من جديد، وهنا بدأت ألوم نفسي لأني قصرت في لقاءه أو إستهترت في إيجاد وقت، ومرة أخرى أواسي نفسي بأن هذا قدره ونصيبي أن لا أراه حتى تكون صدمة فراقه أخف. أكثر ما يؤلمني بعيداً عن اللقاء، هي أخر كلماتي معه عبر الفايسبوك والهاتف التي رددتها "ما تخاف حشوفك قبل ما سافر إن شاء الله أكيد" كنت أعطيه تأكيد لشيء ليس لي سيطرة عليه القدر والعمر، الأن فقط شعرت أن سبب إصراره  كان شعوره أن عمره قصير.

حتى هذه اللحظة لم أستطع أنأ اتأقلم مع فكرة رحيله، فكثيراً ما اشتاق لكلماته وحروفيه من خلال تغريداته ومقالاته المشعة بالتفاؤل والأمل التي كان يبعثرها في طريق متابعينه ومن يعرفه، أفتقد لنقاشاتنا والدردشات. 
حتى نلتقي...




الخميس، 29 يناير 2015

"خسارة جسدية" بدل الموت



الإنسان بطبعه يكره الخسارة بشكل عام بشيء فيه الكثير من الجبن والخوف، فلك أن تتخيل موقف خسارة شخص. شخص مرّ في حياتنا أو كان جزء لا يتجزأ منها. كان موجوداً في أيامنا وحياتنا كظلنا أو في لحظات خاصة من فرحنا أو حزننا، شاركنا ضحكاتنا أو مسح دموعنا، كان قوتنا وقت ضعفنا ودعمنا في قوتنا، مهللا" للنجاح وسندًا في الفشل، وأوقات أخرى مع ذكريات مختلفة كثيرة أو قليلة. فجأة بدون سابق إنذار يختفي هذا الشخص من غير وداع أو حتى وصية، تختلف حينها الصدمة والخسارة على إختلاف مكانة هذا الراحل.

 الموت لم يكن يعني لي شيء، أول حالة وفاة للأسف رأيتها كانت من 10 سنوات من خلال التلفاز ولم يخطر ببالي للحظة أن من أراه أمامي هو ابن عمي. كان يعمل مع أحد السياسيين ولم أكن أعرف، في ذلك اليوم المشؤوم حصل إنفجار إستهدف موكبه كل ما حدث قد يكون عادياً حتى ظهر مشهداً قد يبكي الحجر ، أحدهم يحترق في المقعد الأمامي للسيارة يصارع النيران التي حاوطته في كل تفصيلة من جسده بدون رحمة كجلاد يعد سجينه لكي يلاقي إعدامه بدون الإستماع إلى قرار برائته. يحاول الخروج من النيران المشتعلة حوله  مستنجداً بالعامة الذين يشاهدون تنفيذ الحكم والصراع القائم بينه وبين هذه النيران التي تمسكه بغمرة حقد لتكبله مانعة إياه الخروج من السيارة أو حتى إتاحت الفرص لأخرين بإخماده. كان هذا المشهد الأصعب على الاطلاق، مشهد قدري فشلت هوليوود بكل مؤثراتها أن تبتكر هكذا مشهد فيه من الخيال والوجع ما لا يمكن تخيله أو وصفه. مشهد مازن يخرج من نافذة السيارة محاولاً التمسك بالحياة كما كان دوماً قوياً وجباراً يسعى ويقوم بالمستحيل، محاولت خروجه كانت من أصعب لحظات حياتي، كنت أبكي من فاجعة المنظر ولكن بعد أن عرفت أنه مازن تحولت كل حروقه لحروق صغيرة في قلبي. كل مرة يفتح موضوع الإنفجار ابكي من جديد لكن لا أعلم من ماذا؟! لا جواب، فحتى ملاك الرحمة رحل من غير رجعة.
اعتبرت أنها ستكون تجربتي الوحيدة مع الموت وأقواها، لقد  توفى كثيرين من حولي لكن لم يعد يعنيني الموضوع ولم أتأثر لهذه الدرجة.
بعد تجربتي الأولى وتأقلمي معها، إعتقدت أن الموت أعطاني كفايتي من وجعه. في يوم ليس بعيد من سنة ونص تقريبا، وبينما كنت أتحدث مع صديقي سألني سؤالاْ عن الموت حينها سكت مطولاً وسرحت، مجيبة "لا يعني لي شيء فهو شيء لابد منه" وسألته يومها عن ما يعنيه له فأجاب حينها أنه يخافه وفي مواقف كثيرة في بدايات الثورة كان يرى الموت امامه.
من 2005 لل 2013 كانت مرحلة ترميم الجراح ونسيان معني الموت بالنسبة لي بالرغم من أنه في كل لحظة يذكر اسم مازن يتفتح جرح الرحيل من جديد. أما في 2014،  سنة لا أحسد عليها فقدت فيها شخصيين كل واحد منهم بمعزة ومكانة ومحبة مختلفة.

الأول صديقي المصري باسم  الذي عرفته من العالم الإفتراضي في أولى أيام الثورة المصرية،ليصبح حقيقي رغم كل المسافات. مايقارب الثلاث سنوات و القليل من الشهور فيها من الصداقة والاحترام والاختلاف الكثير. كان رجلاً رائعاً فيه من الذكاء والصدق والتميّز والبراءة صفات أخرى خلق ليتمتع بها وحده، هذا ليس كلامي وحدي إنما هو كلام كل من عرفه وتعامل معه. كنت أستمتع بنقاشاتنا السياسية، حين يكتب مقالة معينة وقبل نشرها يأخذ رأي بالرغم من إني أصغر سناً وقد تكون خبرتي أقل، الا أنه كان على ثقة بنقدي ورأي. كان يشجعني على الكتابة بلحظات كسلي وكان دعمه يكفيني مراراً لأكتب، ولن أنسى كلمته الدائمة  "أنتي كاتبة رائعة ". لدى زيارتي الأولى لمصر كنت أحاول أن أرتب يوما حتى نلتقي أخيرا، كل مرة كان اللقاء يتعثر، والوقت يخذلنا ونأجله. عند عودتي من الاسكندرية وبينما أفتح "تويتر" وإذا بالأخبار عن حادث وفاته يملئ  "التايملاين" فقد كان من النخبة إلا أنه كان رمزاً للتواضع، حاولت أن أتماسك محاولة تكذيب ما أقرأ. بدأت أبكي وأصدقائي من حولي يحاولون فهم ما سبب البكاء المفاجئ. صدمتي حينها مع خوفي وجبني لم أتجرأ على أن أتصل به لتكذيب كل ما قرأت. حاولت أن أبحث عن مصادر أخرى للخبر، حتى أخبرتني صديقتي بالخبر حينها فقط تأكدت، فحادثة سقوطه من شرفة منزلهم لم تكن منطقية وكان هناك علامات تعجب دفن بعدها الموضوع.
هنا عاد خوف الموت ليستيقظ بي من جديد، وهنا بدأت ألوم نفسي لأني قصرت في لقاءه أو إستهترت في إيجاد وقت، ومرة أخرى أواسي نفسي بأن هذا قدره ونصيبي أن لا أراه حتى تكون صدمة فراقه أخف. أكثر ما يؤلمني بعيداً عن اللقاء، هي أخر كلماتي معه عبر الفايسبوك والهاتف التي رددتها "ما تخاف حشوفك قبل ما سافر إن شاء الله أكيد" كنت أعطيه تأكيد لشيء ليس لي سيطرة عليه القدر والعمر، الأن فقط شعرت أن سبب إصراره  كان شعوره أن عمره قصير.



حتى هذه اللحظة لم أستطع أنأ اتأقلم مع فكرة رحيله، فكثيراً ما اشتاق لكلماته وحروفيه من خلال تغريداته ومقالاته المشعة بالتفاؤل والأمل التي كان يبعثرها في طريق متابعينه ومن يعرفه، أفتقد لنقاشاتنا والدردشات. مازلت حتى اللخظة هذة أحدثه منتظرة بأي لحظة رداً منه.

أما العزيز الغالي الذي فقدته وأنا مشتاقة إليه، من فارقني من غير وداع أو عناق أو حتي قبلة هو "بابا" الذي ستخونني كلماتي في الكلام عنه، فما أشعر به في غيابه أكبر من أن أحدده في كلمات أو أرصه في إحدى القوالب أو أسرده في أسلوب. قبل وفاته كنت في مرحلة ضغط خاصة بعملي جعلتني أقصر معه، حتى هو بدأ يتذمر من عدم رؤيتي،  فيقولي لي "شو ما إلي حق شوفيك وتقعدي معي" وغيرها من التعابير التي تظهر تضايقه وإشتياقه لرؤيتي أجلس معه ونتحدث.  لم أكن أعلم تذمره هذا كان يحاول أن يودعني  لكن بأسلوبه ولغبائي لم افهم الرسالة جيداً، حاول إرسالها مراراً وتكراراً ولكن عبث حتى صادف يومين قبل وفاته أني لم أراه مطلقاً بسبب العمل ولأنه إختار أن ينام باكراً علي غير عادته.
وبينما أنا في العمل وصلني خبر الحادث الذي أصابه خلال عمله، وصلني مزركش وملون لتخفيف الصدمة عني ولكن كل ما كان يجري حولي قبل معرفة الخبر يقول أنه قرر الرحيل بدون وداع. رحل من غير أن أقبله أو أحضه أو أقول له أني أصلاً قد إشتقت إليه. لم أتخيل يوماً أنه سيرحل ويتركني. عندما أصابه المرض الخبيث منذ سنتين فصراعه معه وقوته وتغلبه عليه لم تخيفني يوما، ولم تسمح لإحساس فقدانه بالوصول إلى قلبي أو عقلي. مضت شهور علي رحيله، مازلت أسمع صوته وصوت مفاتيحه وأتذكر تفاصيله وطيفه في كل زاوية من زوايا المنزل، أضحك من تعابير كان يقولها لي كلمات لن يقوم أحد بتدليلي أو قولها لي. احساس قبلته القوية والحنونة بالرغم من أشواك شاربه الكثيف، وحضنه الأقوى الدافئ الذي كنت أذوب فيه كلما غمرني لأعود فلذة كبده من جديد. والشوق إلى غضبه الناري الذي كنت الوحيدة القادرة علي التصدي له، ونقاشاتنا الحادة في بعض المواضيع وتفهمه لأشياء كثيرة وثقته بي وبقراراتي في الكثير من الأحيان. مشتاقة لحديثه المليء بالمزاح والضحكات كان بمجرد وجوده في مكان ما كان هو من يدير اللقاء بالأحاديث والحكاوي الطريفة والغير طريفة، فيضع قليلا من لمساته عليها لتكون ذو نكهة خاصة ومميزة.  أفتقد كل تفاصيله ومشتاقة لها اضعاف مضاعفة لإشياقي لكل شيء منه.

إن أردت ان تسألني هل أخاف الموت، فإجابتي هي نعم، أخاف أن أفقد من أحب وخاصة اذا لعب القدر لعبته ولم يعطني الفرصة لأودعهم. نعم أخاف أن أموت وأعذب بفراقي من يحبني، ونعم أخاف من الضعف الذي يتراكم داخلي كل مرة مع رحيل أحدهم حتى وإن إختلفت محبته او معزته، أخاف أن أنكسر رغم إيماني القوي بأنه هذا القدر والنصيب الذي سيطالنا جميعاً من غير تردد.

ملاحظة: (لا تضيع أي لحظة بدون أن تعبر عما في داخلك لمن تحب أو تهتم فإفعل كل ما تشعر به وقل كل ما لديك من كلمات، لأنه قد يأتي وقت لا تجده أو يكون قد فات الأوان بالنسبة لك، لأن القدر أفضل ما يكون في سرقتنا أو سرقة احبائنا في أوقات أبعد ما تكون مناسبة لنا لكنها مناسبة له)


الأربعاء، 28 يناير 2015

خربشات قديمة #هووهي

على غير عادته، انهى عمله باكراً، لكن هذه المرة قرر أن يتمشى، ليرتاح ويخفف عن نفسه ضغوط ومشاكل العمل قبل أن يعود إليها، ليكون مرتاح الفكر، بأحاسيس صادقة، وحنونه كما تعودت منه معها ليعوضها عن يوما كامل وهي بإنتظاره.  
بدأ يتمشى بين الشوارع، حتى وصل إلى "الكورنيش" خاصته حيث السكينة ومنظر البحر الهادىء مع أخر لحظات الغروب. جلس على صخرة قريبة من البحر يناجيه و يفضفض له مكنوناته. ساعات مرت و هو لم يبارح مكانه البتة، تاه في المنظر الرباني الممتع شعر بعدها أنه إرتاح وإشتاق لها، وها قد حان وقت عودته فهي تنتظره بفارغ الصبر.

فتحت عينها على صوت ساعة جدتها التي ورثتها أمها هي الأخرى تنبهها بعدم رجوعه، إنها العاشرة والنصف قبل منتصف الليل، لا هاتف يرن ولا باب قد فتح. تجلس على حافة السرير في حين غافلها النوم من كثرة الإنتظار مسهلاً عليها قلقه. يسود الظلام مملكتها، بسطت يدها على جانبها لتتأكد إن خانتها أذنها، فلم تجده فسارعت الى إنارة الغرفة، تابعت بحثها فالغرفة فمازالت كما تركتها . ترجلت من سريرها و إرتدت خفيها وإتجهت بخطوات بطيئة الى قلب المنزل لترى إن حصل أي تغيير يدل على وجوده ، لكن عبثاً الحال كما هو عليه. تابعت تجولها بين أرجاء المنزل منتظرة أي اشارة تعلمها بوجوده. فقدت الأمل وسيطر القلق عليها من جديد، فقررت الاتصال بمكتبه لترى ما سبب التأخير، للأسف ما من مجيب عليها، وهاتفه الجوال هو الاخر مقفل حتى اللحظة . كانت قد قررت أن تنتظره حتى يأتي لكن خوفها و قلقها أجبراها على الخروج للبحث عنه. دخلت غرفتهما و بدلت ملابسها وأخذت مفاتيح سيارتها وخرجت .

في هذه الأثناء، رجع هو إلى مكان عمله ليحضر السيارة ويعود إلى المنزل. في طريق عودته مرّ على بائع الأزهار، إشترى لها باقة من أجمل ما تكون"ورود بيضاء"، فكانت الباقة بين يديه كالباقة التي حملتها حبيبته يوم زفافهما .
بينما هو يحاول تعويضها عن فعلته، كانت حملة التفتيش عنه قد بدأت، ذهبت إلى عمله فلم تجد سيارته، ذهبت إلى أماكنه لكن عبث. عاودت الإتصال به من جديد مرة وراء مرة و وراء مرة، حتى أنها حاولت الإتصال بالمنزل أيضاً ما من مجيب، فقررت أن تتابع بحثها حتى يتصل بها!
دخل سيارته واضعاً الباقة على المقعد الجانبي، وأحضر هاتفه فاتحاً اياه واتصل. وإذا بها ترى رقمه فتزداد نبضات قلبها سرعة و تتغير حرارة جسدها خوفً" مما يمكن أن تسمع !  

ردت بصوت فيه مزيج من الغضب والخوف : أي كنت كل هذا الوقت!
هو بكل هدوء: أعتذر حبيبتي لكني بعد أن أنهيت عملي تمشيت قليلا" ونسيت نفسي وكنت في ضيق من بعض الأشياء التي حصلت  في العمل و لم أرد أن أعود إليكي بها، فإنتظرت حتى يضيع التوتر.
هي: لما أقفلت هاتفك؟ أخبرني بما تريد أن تفعل! كدت أن أموت من القلق! أتجول في الشوارع بحثاً عنك كمن أضاعت طفلها خوفاً من أن يكون أصابك سوء!لن اسامحك .
هو: أعتذر حبيبتي عن كل ما جعتلك تشعرين به لكن يكفيني أني أعلم الآن مقدار حبك وخوفك عليّ لايقدر بكنوز الدنيا!
هي : أنك تعرف حقيقة شعوري فأنت لست زوجي فقط انك ايضا" حبيبي و ابني و كل حياتي!
رد والسعادة تغمره :أاعدك أني لن أكررها، هل ستسامحيني!؟
مع ضحكة خجولة وراحة : سأعود إلى المنزل، وفي هذه الأثناء سوف أفكر لك بعقاب تستحقه!
هو: حسناً و أنا جاهزاً لأي عقاب من حبيبتي، قبل أن أقفل سوف اقول لكي اني لا أحبكِ لا اني أعشقكِ
هي: أنا في إنتظارك لا تتأخر.

أقفل الهاتف و هي أيضا، وسلكا طريق العودة إلى المنزل، للمصادفة أنهما وصلا معاً فأوقف سيارته وما أن ترجل منها حتى...
تحولت الباقة البيضاء إلى حمراء!!