حبر يرسم حروف من روح الواقع فيخترق بها العقل والقلب من دون قيود أو شروط فأٌقول وأقول

الأحد، 19 أغسطس 2012

تفصيلتي الصغيرة



قاربت السنوات  ثلاث , وأنا كلما مررت من هذا المكان وجدتها جالسة, كل مرة أتمعن بتفاصيلها , وملابسها المختلفة و تسريحتها المغايرة للسابقة ولكن حركات جسدها و تعابيرها هي هي لم تتغير ومكان جلوسها ايضا" .

هي انسان لابد أن أراه كلما مررت من هذا الشارع ,  شارع لا رصيف فيه مناسب للمارة ,  وإن وجد فالسيارات قد احتلته و اغتصبت حقي بأن أسير عليه لأكون بأمان . يمكن أن يستبدل اسمه بدل شارع بي"طلعة" , هو وجهة سير اجبارية وقصيرة يسلكونه بالرغم من كرههم له . أما أنا فقد كنت أحب أن أسلكه لكي أراها .

 لا أعرف من هي ولا اسمها  كل ما أعرفه , عادتها بالجلوس الدائم على مفترق هذا الشارع  حيث الجهة المليئة بالمنازل القديمة القديمة جدا".

فتاة  صغيرة يتراوح عمرها بين السادسة عشر و الثامنة عشر اي طفلة كبيرة, بيضاء بياضا" لبشرة لم تعرف الشمس يوما". وشعرها قد مرّ عليه مقص وريشة  مصففة الشعر فرسمته ولونته لها ببعض الخصلات الذهبية , فصار كأنما خيوط الشمس الذهبية قد تسللت من شمسها في احدى الليالي الحالكة الظلام . عيناها كبيرتان ليس حجما"  وحسب لكن أحاسيس ومعاني وأوجاع  , أشياء لم يحن لمن في سنها ان تعيشها . أما  فمها لا ابتسامة من أي مقاس عليه عادي جدا كمن استسلم أومصدوم لا يحرك ساكنا" , وكتفيها منهزمين فلا شموخ فيهما ولا قوة , ظهرها محني كظهر جدتي التي قاربت الثمانيين .

 نعم!نعم! اني مقتنعة أنها  طفلة تبلغ من العمر العقد و النصف مع القليل من الفكة اكثر بقليل أو أقل من الكثير .

في اليوم الذي لا أراها فيها أتسائل عنها يا ترى ماذا تفعل أو أين هي؟ هل ذهبت إلى الطبيب أو للعلاج الطبيعي ! لا أعرف ,أخاف أن يكون حدث لها شيء فأعود وأستغفر ربي وأقول قد تكون بخير وكفاني "هبل" .

كنت كلما مررت من قربها وجدت نفسي لا شعوريا" أنظر إليها و أبدأ أطرح الاسئلة عن سبب ما هي فيه ! ولا أجد أجوبة حتى أني كثيرا" ما كنت أتمنى لو أتقرب منها , وأحدثها لكني أقلق من ردة فعلها أو فعل أهلها.

 في إحدى المرات لاحظت أنها كانت تراقب المارة نزولا" حيث الاسفلت وبصمات أقدامهم. فكان عندي حركة غريبة بينما هي تنظر لأقدامي كنت أنظر إلى أقدامها  وأنظر لخطواتي المتسارعة متمعنة بنعمة لا أفقها إلا كلما نظرت إليها , وهي تنظر الى نفسها من غير حولا" ولا قوة .
 في كل مرة كنت أحزن عليها ليس شفقة ولكن ألما"  على حالها و صغر سنها , وجلوسها وحيدة ثابتة في مكانها على كرسيها المتحرك. حتى إعتبرت أن أهلها يعذبوها بهكذا فعلة, فالشارع كثيرا" ما يزدحم بالمارة الذين يسيرون على أقدامهم, فمهما كانت قوية ومتقبلة لحالها ففي النهاية هي طفلة وهمها كبير...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق