حبر يرسم حروف من روح الواقع فيخترق بها العقل والقلب من دون قيود أو شروط فأٌقول وأقول

الاثنين، 24 ديسمبر 2012

المارة قصص مبهمة

أقف على الرصيف مبللة بدموع السماء وشرارات غضبي تبخرها لترجعها من حيث أتت، نسمات قارسة تلسعني فما بين السقيع والحرارة إنشلت الحركة وتجمدت الأنظار على نقطة واحدة في انتظار أن تهدأ الأجواء لأعثر على وسيلة لأعود لمنزلي بكامل أناقتي وهدوئي كما تركته. 
جامدة كأنظار تمثال رياض الصلح الذي أقف لجانبه، لكن أنظاري عاودتها الحياة حين اخترقنها،هن من ثلاث أجيال غير متشابهة وأشكالهن صورة واحدة بمراحل  مختلفة . بينما أنا أستجمع تركيزي ، بدأت أتفحص تفاصيلهن من غير انتباه ونسيت سببب غضبي ووقفتي. 

هن لاجئات استنتاج أولي، الكبرى هي الام على ما يبدو والثانية هي الكبرى أما الثالثة فهي أخر العنقود. تحليل الشخصيات كان من خلال شكل تشابك الايدي، فالام مسكت يد الثانية بطريقة تشبه لحد ما القيود الحديدية التي يستعملها الشرطي، أما طريقة الثانية فكانت تشابك أيادي الكبرى و الصغرى  الذي كان بشكل الحلقات اللواتي يشكلن سلسلة ، بالرغم من فرق طول بينهما إلا أنهما كانتا سلسة بحلقتين متينتين.
سارعن بعد التشابك، كلا" على طريقتها لقطع الطريق، فنظراتي حينها بدأت تتفحص من غير إدراك رسمهن وألوانهن ، تبحث عن خيوط و خطوط لقصة ما، فضعت بين الفضول والبحث عن أجوبة. 
لفتني أن الأم والكبرى قد إرتدت كلا" منهما جزمة  وثياب شبه سميكة ، أما الصغرى فترتدي حذاءا" صيفيا" مفتوح  وبنطلونا" رقيقا" وقصيرا" وثيابا" استحالة أن تحميها من هذا السقيع . فنحن في فصل  الشتاء ، والسيول لا أمان لها و الأمطار تقوم بتوبيخ أقدامنا و ملابسنا مهما كانت مقفلة أو سميكة فما حال هذه الطفلة!

هنا عاودت تأكيد تحليلاتي بأنهن لاجئات ، حينها انطلقت حدود مخيلتي وأطلقت العنان لنفسي وأنا أتباع سيرهن وخاصة أخر العنقود  وأقدامها الصغيرة التي تتطاير برشاقة و خفة ، موسعة خطواتها حتى تتفادى السيول التي سببتها الأمطار، وال‘بتسامة الخجولة التي تعلو وجهها وهي تلعب في عبور الطريق والهروب من المياه . حينها إختارت مخيلتي القصة التالية لتبرر حال الصغيرة :
بينما القصف كالشتاء على منزلهن و الخطر يحوم حولهن بكل فوضى والخوف يسكن قلوبهن خرجنا كما كن وبكل ما وصلت إليه الأيدي من ملابس و أشياء ، هربن من الموت كبطلات و مناضلات من غير إستسلام لظلم أو خطر أجبرن على عيشه . وبسبب كل ما تقدم انتهى بهذه الصغيرة أن  تكون بهكذا حذاء و ملابس في شتاء قارس ، فلا بشر ولا طقس كان رؤوفا" رحيما" معها .

 تابعت سيرهن حتى أخر ظل من ظلالهن على الشارع المقابل لي ، و أنا مكاني مازلت أنتظر قدوم هذا "التاكسي" الخارق الذي سيوصلني إلى منزلي و يرحمني من جنون خيالي و تحليلاتي . نصف ساعة أخرى وأنا قيد الإنتظار، قررت السير قليلا" أو كثيرا" على أمل أن تحصل المعجزة ، فصرت في مكان مختلف والمطر أصر على أن يوبخني و الهواء قرر أن يخرب مظلتي وأنا صامدة أدعو بحصول المعجزة، لكن ما من مجيب فإذا بأنظاري تضيع بين المارة و تتفحصهم و تبحث عن قصة أخرى أشغل بها مخيلتي، فإذا  به "هو"هذا العجوز الذي يمشي محدثا" نفسه يصبح قصتي الأخرى ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق