حبر يرسم حروف من روح الواقع فيخترق بها العقل والقلب من دون قيود أو شروط فأٌقول وأقول

الأحد، 27 نوفمبر 2011

"ملك"


 في منزله الشتوي, حيث يمكث وحيدا" طيلة فترة العام الدراسي , يجلس وحيدا" . مملكة هو ملكا" فيها من غير رعية او حتى شعب يحكمه, هو فيها الملك و الشعب,الاّمر الناهي, من غير اذن  او طلب من أحد . هو في عالمه هذا , يسن القوانين و يطبقها , يفرض المحظورات و يبتعد عنها .عرش له يسكن فيه, صغير و كبير في وقت واحد ! كبير عليه لوحده و صغيرا" بالنسبة لكل ما حوله .
يبدأ نهاره في السابعة باكرا" , يوقظه المنبه على صوته الجعاري الفاجر من غير رحمة لأذن تعودت على السكون و الهدوء ليلا" , فيستيقظ كعادته مسرعا" لتحضير نفسه لنهار جديد,فيستعجل الخروج خوفا" من التأخير فيتسارع هو الوقت خوفا" من أن يسبقه, لأنه اعتاد دائما" على أن يكون الفوز حليفه . يستعجل و يغلق باب مملكته بالقفل و الحديد خوفا" من هجوم عدو أو خيانة حليف. يخرج الى العالم الأخر بكل أمل و تفاؤل, وتتسابق خطاه حتى يصل الى عربته التي ستنقله الى المملكة التعلمية حيث الملوك و الرعاة كثيرين .
يجلس في عربته على مقعده المعتاد اذا كان فارغا" , ويذهب الى الجامعة حيث ساحة المعركة بينه و بين هؤلاء الذين يحاولون السيطرة على افكاره و تحويل ابداعه الى غباء يرفضه .
بعد معركة حامية من الكلمات ووجهات النظر يصل الى بر الأمان فينهي معركته بعد ان يكون عبر و اخرج كل ما في مكنوناته من انتقاد لهم و لجهلهم .
و هاهو يعود الى مملكته, يدخل بدعسات ناقصة مترددا" بين الدخول و الخروج, فيغريه النعاس على حافة البيت ويدخله بالقوة و يغلق باب القلعة الخشبي وراء ظهره . فيغير ملابسه في سكون غامض مخيف ,لكنه متعة بالنسبة له, متعة يعشق غموضها و سحرها وحتى صمتها المريب. بعد ذلك يرتب أغراضه , و يتجه بخطوات واثقة الى عرشه حيث يجلس في ركنه الخاص به  في كل هذه المملكة الكبيرة . يستعد لملاقاة النعاس الذي أغواه, لكن اللعنة !
في كل هذا الصمت الكبير, والمتعة التي يحب, حزن صغير يختبأ بين متعة الهدوء و النوم غصة صغيرة لانطواء كان يهواه فصار ضجر يؤلمه...
قرر الهروب من الأفكار و التفكير بالنوم الذي بعد أن كان هواية مفضلة أصبح مهربا" من الواقع الذي لم يعرف كيف يغير فيه ما يريد ووجد فيه صعوبة تحقيق ما أراد, ليس دليل ضعف او استسلام لكن سيطرة فكرة الوحدة كانت اقوى من كل الاشياء , حتى اغلقت عليه ابواب الابداع و التحليل .
لكن رغم ذلك قرر التمرد على مزاجه العكر وانزل مرسوما" و اعلن حفلة ملكية  مجنونة كجنونه, وضع الموسيقى الصاخبة و بدأ يرقص رقصات مجنونة و يقوم بحركات غير مألوفة يرفه بها عن نفسه و يهيم في عالم أخر يخرج به من قوقعة هذه الوحدة البغيضة لأنه بكل بساطة ملكا" ويحق له كل الجنون .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق