على غير عادته، انهى عمله باكراً، لكن هذه المرة قرر أن يتمشى، ليرتاح ويخفف عن نفسه ضغوط ومشاكل العمل قبل أن يعود إليها، ليكون مرتاح الفكر، بأحاسيس صادقة، وحنونه كما تعودت منه معها ليعوضها عن يوما كامل وهي بإنتظاره.
بدأ يتمشى بين الشوارع، حتى وصل إلى "الكورنيش" خاصته حيث السكينة ومنظر البحر الهادىء مع أخر لحظات الغروب. جلس على صخرة قريبة من البحر يناجيه و يفضفض له مكنوناته. ساعات مرت و هو لم يبارح مكانه البتة، تاه في المنظر الرباني الممتع شعر بعدها أنه إرتاح وإشتاق لها، وها قد حان وقت عودته فهي تنتظره بفارغ الصبر.
فتحت عينها على صوت ساعة جدتها التي ورثتها أمها هي الأخرى تنبهها بعدم رجوعه، إنها العاشرة والنصف قبل منتصف الليل، لا هاتف يرن ولا باب قد فتح. تجلس على حافة السرير في حين غافلها النوم من كثرة الإنتظار مسهلاً عليها قلقه. يسود الظلام مملكتها، بسطت يدها على جانبها لتتأكد إن خانتها أذنها، فلم تجده فسارعت الى إنارة الغرفة، تابعت بحثها فالغرفة فمازالت كما تركتها . ترجلت من سريرها و إرتدت خفيها وإتجهت بخطوات بطيئة الى قلب المنزل لترى إن حصل أي تغيير يدل على وجوده ، لكن عبثاً الحال كما هو عليه. تابعت تجولها بين أرجاء المنزل منتظرة أي اشارة تعلمها بوجوده. فقدت الأمل وسيطر القلق عليها من جديد، فقررت الاتصال بمكتبه لترى ما سبب التأخير، للأسف ما من مجيب عليها، وهاتفه الجوال هو الاخر مقفل حتى اللحظة . كانت قد قررت أن تنتظره حتى يأتي لكن خوفها و قلقها أجبراها على الخروج للبحث عنه. دخلت غرفتهما و بدلت ملابسها وأخذت مفاتيح سيارتها وخرجت .
في هذه الأثناء، رجع هو إلى مكان عمله ليحضر السيارة ويعود إلى المنزل. في طريق عودته مرّ على بائع الأزهار، إشترى لها باقة من أجمل ما تكون"ورود بيضاء"، فكانت الباقة بين يديه كالباقة التي حملتها حبيبته يوم زفافهما .
بينما هو يحاول تعويضها عن فعلته، كانت حملة التفتيش عنه قد بدأت، ذهبت إلى عمله فلم تجد سيارته، ذهبت إلى أماكنه لكن عبث. عاودت الإتصال به من جديد مرة وراء مرة و وراء مرة، حتى أنها حاولت الإتصال بالمنزل أيضاً ما من مجيب، فقررت أن تتابع بحثها حتى يتصل بها!
دخل سيارته واضعاً الباقة على المقعد الجانبي، وأحضر هاتفه فاتحاً اياه واتصل. وإذا بها ترى رقمه فتزداد نبضات قلبها سرعة و تتغير حرارة جسدها خوفً" مما يمكن أن تسمع !
ردت بصوت فيه مزيج من الغضب والخوف : أي كنت كل هذا الوقت!
هو بكل هدوء: أعتذر حبيبتي لكني بعد أن أنهيت عملي تمشيت قليلا" ونسيت نفسي وكنت في ضيق من بعض الأشياء التي حصلت في العمل و لم أرد أن أعود إليكي بها، فإنتظرت حتى يضيع التوتر.
هي: لما أقفلت هاتفك؟ أخبرني بما تريد أن تفعل! كدت أن أموت من القلق! أتجول في الشوارع بحثاً عنك كمن أضاعت طفلها خوفاً من أن يكون أصابك سوء!لن اسامحك .
هو: أعتذر حبيبتي عن كل ما جعتلك تشعرين به لكن يكفيني أني أعلم الآن مقدار حبك وخوفك عليّ لايقدر بكنوز الدنيا!
هي : أنك تعرف حقيقة شعوري فأنت لست زوجي فقط انك ايضا" حبيبي و ابني و كل حياتي!
رد والسعادة تغمره :أاعدك أني لن أكررها، هل ستسامحيني!؟
مع ضحكة خجولة وراحة : سأعود إلى المنزل، وفي هذه الأثناء سوف أفكر لك بعقاب تستحقه!
هو: حسناً و أنا جاهزاً لأي عقاب من حبيبتي، قبل أن أقفل سوف اقول لكي اني لا أحبكِ لا اني أعشقكِ
هي: أنا في إنتظارك لا تتأخر.
أقفل الهاتف و هي أيضا، وسلكا طريق العودة إلى المنزل، للمصادفة أنهما وصلا معاً فأوقف سيارته وما أن ترجل منها حتى...
تحولت الباقة البيضاء إلى حمراء!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق