باسم صبري "موسوعة صغيرة"، لم يتيح لها القدر أن تكبر لتفيض بأفكارها
وابداعها ودعمها على من حولها. سنة على فراقه الإفتراضي، فمن يعرفه مازال يعتبر
أن فراقه مجرد مزحة من مزحاته التي لطالما إعتبرها محاولات فاشلة مع أنه عكس ما
يقول كليا. لن أرثيه لأنه حتى هذه اللحظة بالنسبة لي هو موجود لكن الحياة شغلته معها
كما هو دائما، أنتظر رده على رسائلي ومكالمته الهاتفية المتأخرة كالعادة.
تخونني الكلمات لأكتب عنه من جديد،
فلم يكن لي إلا أن أتذكر هديتي الأولى في ذكرى ميلاده التاسع والعشرين.
جزء من هديتي له(...مناسبة الحديث
مناسبة كغير المناسبات، إختصارا لكل المقدمات أنه "يوم ميلاده"، هذا
الكائن البشري المميز الذي لم يحالفني الحظ أن أقابله في الحقيقة لكنه حالفني في
أن أصادفه معنويا" في العالم الإفتراضي لمن حولي ولكنه حقيقة بالنسبة لي
بمعايير ومقاييس خاصة .
هذا هو باسمٌ بوجهه، محترم بلا منازع،
قليلا ما يتأرجح ما بين الثقة بالنفس والغرور الخجول بطريقة أو بأخرى من غير قصد،
يبحث عن الثناء والدعم بطريقة مبطنة، متعطشا للمعرفة وإن غضب فشعاره "سأقتله، سأقتله،
سأقتله! "ولديه من السخرية ما يكفيه وأخيرا هو الفارس المجهول
المعلوم! كنزه "كاريزما" خاصة
به حتى وإن كانت من خلف الشاشة ومن خلال الصفحات بالإضافة لكونه مثل واضح وصريح
لأغنية "كل البنات بتحبك" الجنس اللطيف يحويه من غير ملل
رغم خجله، قد تكون الحقيقة مختلفة لكن هذا ما يتراءى لي، وكما نقول في لبنان
"بيطلعله!" .
انه هو"الانسان"،
"القارىء"، "المفكر"، "الكاتب" أو حتى
"المثقف" ببساطة هو "هؤلاء" في نفس الوقت. هو يكتب ليفكر،
يبحث ليعرف، وعندما يعرف يتابع الطريق في التعريف. مواضيعه زبدة الحدث في الأن والأوان
بسيطة لكن غنية ومهمة لكن طويلة أحيانا "يا ويلي" لكن تستحق القراءة وإن
كنت ممن يملون بسرعة فهذا الكلام لا يطبق في حالته. يهتم بالشأن العام والخاص، رغم
إنتمائه الا أنه كثيرا ما يزيل عنه هذه الصفة ليصير إنسان فقط ليتخطى الحدود. فيصبح عينا ترصد الاحداث أينما
كانت وكيفما صارت، فينقلها ويحللها ببساطة بعيدا عن التكلف، و لطالما بحث عن
الأجوبة، وإن إستصعب عليك شيء فقد تجد الجواب بحوزته...(
بعد ثلاث سنوات عرفته فيهم أكثر بكثير وتقربت
منه، أعتبر كل ما سبق هو مجرد ملاحظات بسيطة عن شخصية استثنائية عظيمة وفريدة من
نوعها، قدر لها العمر القصير لأنها اكبر من أن تبقى في هذا العالم الصغير الفاسد
والمريض، لتخلد افكارها وطاقتها الايجابية في روح كل شخص عرفه لأنه كان يشعر أي
شخص أنه إستثنائي ومميز.
برحيله عادة بعد زمن طويل للموت في حياتي قيمة او معنى، صديق عرفته من العالم الإفتراضي في
أولى أيام الثورة المصرية، ليصبح حقيقي رغم كل المسافات. مايقارب الثلاث سنوات والقليل
من الشهور فيها من الصداقة والاحترام والاختلاف الكثير. كان رجلاً رائعاً فيه من
الذكاء والصدق والتميّز والبراءة صفات أخرى خلق ليتمتع بها وحده، هذا ليس كلامي
وحدي إنما هو كلام كل من عرفه وتعامل معه. كنت أستمتع بنقاشاتنا السياسية، حين
يكتب مقالة معينة وقبل نشرها يأخذ رأي بالرغم من إني أصغر سناً وقد تكون خبرتي
أقل، الا أنه كان على ثقة بنقدي ورأي. كان يشجعني على الكتابة بلحظات كسلي وكان
دعمه يكفيني مراراً لأكتب، ولن أنسى كلمته الدائمة "أنتي كاتبة رائعة". لدى زيارتي الأولى لمصر كنت أحاول أن أرتب يوما حتى نلتقي أخيرا، كل مرة
كان اللقاء يتعثر، والوقت يخذلنا ونأجله. عند عودتي من الاسكندرية وبينما أفتح
"تويتر" وإذا بالأخبار عن حادث وفاته يملئ "التايملاين" فقد كان من النخبة إلا
أنه كان رمزاً للتواضع، حاولت أن أتماسك محاولة تكذيب ما أقرأ. بدأت أبكي وأصدقائي
من حولي يحاولون فهم ما سبب البكاء المفاجئ. صدمتي حينها مع خوفي وجبني لم أتجرأ
على أن أتصل به لتكذيب كل ما قرأت. حاولت أن أبحث عن مصادر أخرى للخبر، حتى
أخبرتني صديقتي بالخبر حينها فقط تأكدت، فحادثة سقوطه من شرفة منزلهم لم تكن
منطقية وكان هناك علامات تعجب دفن بعدها الموضوع.
هنا عاد خوف الموت ليستيقظ بي من
جديد، وهنا بدأت ألوم نفسي لأني قصرت في لقاءه أو إستهترت في إيجاد وقت، ومرة أخرى
أواسي نفسي بأن هذا قدره ونصيبي أن لا أراه حتى تكون صدمة فراقه أخف. أكثر ما
يؤلمني بعيداً عن اللقاء، هي أخر كلماتي معه عبر الفايسبوك والهاتف التي رددتها
"ما تخاف حشوفك قبل ما سافر إن شاء الله أكيد" كنت أعطيه تأكيد لشيء ليس
لي سيطرة عليه القدر والعمر، الأن فقط شعرت أن سبب إصراره كان شعوره أن عمره
قصير.
حتى هذه اللحظة لم أستطع أنأ اتأقلم
مع فكرة رحيله، فكثيراً ما اشتاق لكلماته وحروفيه من خلال تغريداته ومقالاته
المشعة بالتفاؤل والأمل التي كان يبعثرها في طريق متابعينه ومن يعرفه، أفتقد لنقاشاتنا
والدردشات.
حتى نلتقي...